قصة
تواجد القوات الجوية الليبية بالسودان .... الحلقه 5
نقلا
عن الطيار
: Suliman Elshtiti
01
في الصباح الباكر يأتي عمال النظافة و
بعد الانتهاء من التنظيف يأتون بكأس حليب وآخر ماء و يتم تغيير الوسادة و الفوط و
الشراشف ، كان الأمر رائع و بدأت أشعر بالراحة . أطقم طبية أثيوبية ممتازة الأكل
يقدم ثلاث مرات إفطار و غذاء و عشاء ، و كان طعامًا شهيًا . .
بعد أيام من إقامتي ، صرت أعرف روتين
العمل بالمصحة ، و مواعيد فصل الأطقم المناوبة ، و أوقات خروج الأطباء .
وبدأت أفكر بطريقة ما للهروب .
خمّنت بأنني استطيع الهروب ، خاصة أن
نافذة الغرفة منخفضة ، و كانت مقابلة المدخل الرئيسي ، و كنت أشاهد حالات الدخول و
الخروج و مواعيد الزيارة والحركة في المدخل كانت على مرمى بصري .
. وحين عرفت كل شيء . قررت الهروب
كانت هناك طبيبة شابة و كنت ارتاح لها
واعتقد انها كانت تشفق علي ، فطلبت منها اقراصًا منومه بحجّة أنني أتألم و لا
استطيع النوم ، فوافقت ، أخذتها منها و لم أقم بتناولها ، بل تظاهرت أنني شربتها
مع الماء ، طبعًا الحرس المرافق لم يكن يعرف شيء عن هذه الأقراص ، لأنه لم يكن
يتحدث الإنجليزية ، و كررت طلب الأقراص عدة مرات ، وصار عندي ثلاثة أقراص ، و
عندما حان الموعد دخلت الى دورة المياه و قمت بغسل الأقراص حتى أزلت المادة
المحلّاة التي تحيط بالقرص و أصبحت ذات لون ابيض ، و ضعت الأقراص بورقة و طحنتها
حتى أصبحت مثل البودرة ، ومن ثم اخفيتها
.
و في صباح اليوم التالي بعد أن تم تغيير
الحرس و بعد مرور الأطباء ، وضعت البودرة في أحد الأكواب ، سكبت الحليب فوقه وسكبت
الحليب في الكوب الآخر كذلك ، و قدمت الكوب الذي يحتوي المنوّم للحارس ، و لكنه
بعد أن أخذ رشفة ، سألني
:
ـــ ما الذي وضعته بالكوب ؟ فقد كان
طعمه مر !
قلت له
:
ـــ حليب
..
أخذ الكوب الآخر و تذوقه و طلب مني شرب
الكوب الذي به المنوم ، شربت منه قليلًا و قلت له
:
ـــ نعم .. إنه مرّ ..
و قمت بسرعة إلى الحمام و غسلت الكوب ،
وقلت له :
ـــ ربما المرارة من بقايا أو أثار داخل
الكوب !
ظني أنه لم يشك في الأمر ، و لكن
المفاجأة أنه سرعان ما أستسلم للنوم ، و لم أعرف هل نام بسبب المنوّم أو أنه
يتظاهر بذلك
!!
و قررت أن أبقى في السرير حتى أتأكد من
أنه نام ، و استلقيت ، و لم أدرِ ما الذي حدث بعد ذلك
!
يبدو أنني نمت أنا أيضًا . و لا أدري كم
مرّ من الوقت ، اعتقد انه اليوم التالي ، لقد كانت الجرعة كبيرة .
لكن عندما فتحت عيني ، وجدت أمامي
الدكتور مدير المستشفى وهو برتبة عميد ، و ضابط أمن اثيوبي يدعى " أبرها
" و الدكتور " شاو
" .
كنت خائفًا جدًا ، فقد خالفت الأوامر ..
تحدث الضابط الأثيوبي و سألهم :
ـــ هل يعرف الإنجليزية ؟
فاخبروه بالإيجاب ، ولكنه فضل الحديث
معي بالعربية و قال لي
:
ـــ هل ترغب في العودة إلي ليبيا ؟
لم أرد عليه و فضلت السكوت ، فقال لي :
ـــ سيتم نقلك إلى مكان آمن .
وما هي إلا دقائق ، حتى أمروا بنقلي إلى
فندق صغير اسمه " زمن هوتيل " قضينا ليلة مع حراسة مشددة .
02
و في اليوم التالي نقلت إلى سجن التحقيق
المركزي .
central Investigation prison
طبعا تم نقلي و لم أكن مقيد اليدين ، و
كنت أشاهد الطريق و كل ما يجري في وسط أديس أبابا ، وقفت السيارة أمام مبني جميل
في قلب أديس أبابا ، نزلنا و دخلنا ، كان المبني كأنه وزارة ، جميل حتى من الداخل
، الفرش الأحمر يغطي الممرات و السلالم ، صعدنا إلى الطابق الثاني ، دخلنا مكتب
شخصية كبيرة ، جلسنا في المكتب ، تبادلوا التحية فيما بينهم ، و من ثم تبادلوا
الحديث بعيدًا عني ، لم أستمع إلى حديثهم ، رغم محاولتي استراق السمع ، خرجنا من
المكتب و مشينا إلى نهاية الممر ، فتح باب من الخشب الجميل .
و بعد أن دخلنا ، كانت المنظر مرعبًا !
باب حديد يشبه أبواب السجون مطلي باللون
الرصاصي ، تم الطرق على الباب ، فإذا بصوت عمود حديدي يسحب و صوت الاقفال تفتح ، و
فتح الباب عسكري أثيوبي ، تحدث مع " أبرها " و أعطاه كتاب مطوي ، لم
يفتحه و سمح لنا بالنزول من السلم الحديدي الذي كان بشكل دائري ينتهي بباب آخر من
الحديد تم فتحه بواسطة العسكري الذي كان في المقدمة ، كانت هناك غرفة دخلناها ،
بها مكتب قديم و كراسي شبه متهالكة ، وجلسنا
..
غادر الجميع ما عدا أنا و الدكتور
" شاو
" .
والدكتور " شاو " هو طالب طب
في السنة الأخيرة ، ألتحق بحركة تحرير السودان و تم الاستفادة منه كطبيب عسكري وتم
ارساله معي ، وبعد أن تقرر ادخالي السجن ، تم تكليفه بمرافقتي كحارس ، ولا أظن أن
من في السجن وادارته لهم علم بذلك ، هم يعرفون فقط اننا نتبع جون قرنق و أن سبب
وجودنا بالسجن مخالفة ارتكبناها
.
تم تفتيشي و أخذوا مني الأدوية و خيوط
الحذاء الذي كنت أرتديه ، ولم يبقوا على شيء لدي إلا الملابس ، ثم تم اقتيادنا عبر
ممر الى ساحة بها مبني كبير و محاط بسياج مرتفع و اسلاك شائكة و أبراج مراقبه بها
جنود يصوبون بنادقهم نحونا ، سرنا يمينا حتى أصبح المبنى يسارنا و في المقابل دورة
مياه ــ اكرمكم الله ــ و في الجانب الأيمن فناء كبير ، كان المكان به العديد من
النساء السجينات ، و قفنا في بداية المبنى ، أعطى الأمر للنساء بدخول الغرف ، حيث
كانت حوالي خمس غرف بالمبنى أبوابها في اتجاه الفناء
.
بعد دخول النساء ، تم نقلنا الي الغرفة
الأخيرة التي تقع بجوار دورة المياه ، تم فتح قفل الغرفة و استدعاء اثنان من
السجينات لإحضار فراشان ، دخلنا إلى الغرفة ، كانت تقريبا مساحتها 4 متر × 5 ،
كانت مبنية من الحجارة و حجم الجدار 40 سم ، لا يوجد بها نوافذ ، بها فقط باب حديد
به شباك صغير مرتفع نسبيا ، يوجد مصباح خارج الشباك الذي عبره يدخل الضوء و الهواء
، كما يوجد مكبر صوت خارج الباب متصل براديو في الخارج
.
قفل الباب بعد دخولي أنا و الدكتور
" شاو " . لقد أصبح سجينًا معي في السجن المخصص للنساء كي لا نختلط بأحد .
كان الأكل عبارة عن ثلاث أرغفة من الحجم
الصغير مع ترمس به ثلاث أكواب شاهي لكل شخص ، ويسمح لنا بزيارة الحمام ثلاث مرات
في اليوم ، في الصباح الباكر و منتصف النهار و آخر النهار ، أما في غير هذه
الأوقات يتم الطرق على الباب و تتم الموافقة بعد دخول النساء إلى غرفهن ، حيث أن
الحمام مشترك بيننا على يسار غرفتنا و هو عبارة عن غرفة مستطيلة بها عدد من دورات
المياه و مجموعة من احواض الغسيل
.
03
كانت تلك الليلة من أصعب الليالي التي
مررت بها ، ربما لأنني قد تعوّدت في الأيام الأخيرة على إقامة مرفهة في المستشفى ،
و لكن الأمر تغير بعد أن كنت قريبًا من الحرية أجد نفسي قد عُدت و بقوة لقيود
الأسر ، و في سجن مشدد الحراسة
.
فلم أنم من آلام السجن و الجوع كذلك .
وبعد أيام قضيناها ، لم يستطع الدكتور
" شاو " الاحتمال ، قمنا باستدعاء الحرس عن طريق الطرق على الباب ، و
بعد أن أتى حاولنا الحديث معه فلم تكن بيننا لغة مشتركة ، حيث أنه لا يتكلم إلا
" الامهرية " ، فقام باستدعاء إحدى الفتيات السجينات وتدعى " سهلو
" وكانت فتاة ذات بشرة حنطية جميلة ، و مثقفة و كذلك ذكية . كانت تترجم له ما
نريد ، و تترجم لنا ما يجيب به هو ، وكانت خلال الترجمة تحاول أن تسألنا عن سبب
وجودنا و من أين نحن و العديد من الأسئلة الشخصية ، وكنا نجيبها أثناء الحديث ،
كذلك أخبرناها إننا نحتاج الى الأكل و العلاج و الهواء والشمس قبل كل شيء ، و بعد
أن وصلت رسالتنا إلى إدارة السجن ، تمت الموافقة على ترك باب الغرفة مفتوحًا على
أن لا نغادر الغرفة الا بإذن الحرس في البرج المقابل للغرفة . فلم أغادر المدخل ،
كان الهواء نقي و نستمتع بضوء الشمس ، وبمنظر الزرع الجميل في الفناء ، و كذلك كنا
نتابع السجينات أثناء ذهابهن للحمام و العودة منه ، و أثناء تجولهن في الفناء ،
حيث كان مسموحًا لهن ذلك
.
أما فيما يخص طلبنا بتحسين الأكل فلم
يستجيبوا لهذا الطلب ، لسبب عرفته فيما بعد ، انه لا يوجد لديهم مطبخ أساسًا ، فقد
كان أهالي السجناء هم من يأتي لهم بالأكل و ما يحتاجون من صابون و معجون حلاقة و
أسنان وغيرها من المستلزمات اليومية
.
وافقوا للدكتور " شاو " بأن
يكتب رسالة لمكتب الحركة التابع لجون قرنق ، وأوعزوا للسجينة " سهلو "
أن تزودنا بورقة و قلم
.
و بعد أن وصلت الرسالة ، أرسلوا لنا بعض
الاحتياجات و بعض الأكل مرة واحدة ، و عادت المعاناة من جديد ، وحيث أن الجوع لا
يمكن تحمله ، فقد كررنا الشكوى حول موضوع الأكل ، و للأسف لم تكن هناك استجابة .
لكن السجينة " سهلو " أخبرت
" باقي السجينات عن معاناتنا ، فكنّ يتعاطفن معنا إلى أبعد حد ، و كنا يبعثن
لنا بالأكل من حين لآخر ، في البداية كان الأمر صعب ولم نقبل به ، و لكن مع
اصرارهن وتحت وطأة الجوع تنازلنا عن بعض الكبرياء
!!
كانت إحدى السجينات وتدعى " ازب
" ، وسجينة أخرى قد لفتتا انتباهي ، كانت السجينة الأخرى امرأة في الأربعينات
من العمر تدعى " قنة مبرات " فقد كانت سجينة مميزة ذات شخصية قوية كانت
ترتدي ملابس سوداء و تضع على رأسها وشاحًا أسودًا ، و يظهر عليها الحزن الشديد في
معظم الأوقات ، كانت تبدي اهتمامها بنا ، و كنا نتبادل التحية عند مرورها أمام
غرفتنا أثناء ذهابها أو عودتها
.
.
نعم كان يظهر عليها انها شخصية ذات شأن
، و علمت فيما بعد أنها زوجة جنرال حاول الانقلاب على الرئيس الأثيوبي منغستو
هيلامريم ، و بعد أن اكتشف أمره تم إعدامه عن طريق ربطه بسيارة و جرّه بمدينته
اسمرا حتى أصبح أشلاء على طرق المدينة ، و نُكّل بأسرته ، و وُضعت زوجته بالسجن ،
و هي منذ تلك الحادثة لم تنزع الثياب السوداء
..
فقد كانت تحاول أن تعرف أي شيء عنا وعن
سبب وجودنا ، وفي أحد الأيام أتت للغرفة لتقدم لنا بعض الأكل ، بعد أن أخذت الإذن
كالعادة ، و كان حينها الدكتور " شاو " نائمًا ، فانتهزت الفرصة و قلت
لها :
ـــ أحتاج إلى مساعدتك ، هل توافقين ؟
فرحّبت دون تردد ، وقلت لها :
ـــ سأترك لك رسالة في الصحون بعد أن
نتناول الأكل
..
و كانت من عادتنا أن نقوم بغسل الصحون
وتركها على حوض الغسيل في الحمام . بعد أن سلمتني الأكل و غادرت ، قمت بوضع الأكل
في الغرفة ، و أخذت القلم الذي كان بحوزة الدكتور " شاو " النائم ، و
قمت بكتابة رسالة على ورقة علبة سجائر و هذا نصها على ما أذكر :
( بعد التحية . أنا طيار ليبي ، و أنا حاليًا أسير
حرب لدى قوات جون قرنق ، و الدكتور " شاو " هو حرس شخصي تابع لجون قرنق
، اسمي " سليمان خليفة الشطيطي " ، اذا استطعتِ إبلاغ السفارة الليبية
بمكاننا أكون شاكرًا ، و أن لم تستطيعي الرجاء حرق الرسالة و نسيان الأمر . ) .
04
قمت بإعادة القلم في مكانه و اخفيت
الرسالة في ملابسي ، و بعد أن أيقظت، الدكتور " شاو " و تناولنا الأكل ،
حاولت أن أنتهي من الأكل بعده ، وأخذت الصحون و ذهبت بها إلى الحمام ، بعد أن أخذت
الإذن بذلك ، و وضعت الرسالة بين الصحون بعد تجفيفها ، وكنت خائفًا جدًا من أن
يُكتشف أمري ، ورجعت إلى الغرفة و أنا أدعو الله
..
و اطمأننت بعض الشيء عندما شاهدتها تذهب
إلى الحمام فور وصولي للغرفة ، كنت متوترًا جدًا ، ورأيتها تعود و معها الصحون ،
لم أغادر مدخل الغرفة حتى حصلت على إشارة منها ، وهي تقوم بنشر ملابسها على الحبال .
و سمعتها تقول
:
ـــ لا تخف لقد أحرقت الرسالة ! و أريد
رقم جواز السفر
.
دخلت إلى الغرفة دون أن أجيبها ، وقد
شعرت ملاحظة الحرس لما يجري بيننا من حديث
.
و في اليوم التالي ، و كان أول أيام شهر
رمضان المبارك ، إذ بمجموعة من العساكر قادمون و تم فتح الغرفة ، و تم نقلنا إلى
سجن الرجال ، الذي كان يقع خلف هذا السجن مباشرة ، خرجنا من الغرفة و سرنا يمينًا
، وكنا كلما مررنا على غرف السجينات يقمن بتحيتنا ، ثم انعطفنا يمينًا ، كان هناك
ثمة حارس ممسك بين يديه بسجل ، و يجلس على كرسي أمام باب كبير جدًا ، و أمامه
طاولة ، و ضع السجل عليها و قام بكتابة اسمائنا و دوّن بعض المعلومات ، ثم أمر
بفتح الباب ، وما أن فُتح الباب ، ولاح لي الداخل ،حتى أيقنت أني سأواجه أيامًا
عصيبة قادمة
!
فقد كان الداخل عبارة عن ممر طويل ،
يأخذ شكل كأنه أنبوب ، وكان السقف مقوس ، و الأرضية شبه مقوسة أيضا لوجود غرف
صغيرة لتصريف الماء في المنتصف ، بالممر غرف على اليمين تحمل الأرقام الفردية
1,3,5,7,9,و بعدها دورة المياه . و إلى اليسار غرف زوجية تحمل الأرقام، 0,2,4,6,8
، و علمت فيما بعد أن أنظمة السجن تقضي بوضع السجين أول يوم بالغرفة رقم 0 والتي
يتم ضربه فيها ضربًا مبرحًا ، و ينام بها دون أي خدمات ، و دون أي فرش يقيه من
الأرض ، و في اليوم التالي ينقل إلى الغرفة رقم 7. و التي كانت مقسمة من الداخل
اإلى أربع زنزانات صغيرة ، و يبقى بها السجين مدة أسبوع كسجن انفرادي دون مخالطة
أحد ، و بعدها يتم نقله إلى إحدى الغرفة الأخرى التي تحوي ما بين سبع مساجين إلى
خمسة عشر سجينًا . و يكون مسموحًا لهم بالخروج في الرابعة مساء إلى فناء السجن ،
وبممارسة هواياتهم ، النحت ، الرسم ، الرياضة ، كما يسمح لهم بمشاهدة التلفاز من
الساعة 8 مساءًا إلى العاشرة
.
أمّا نحن ، فالحمد لله أننا لم ندخل
الغرفة 0 ، تم ادخالنا مباشرة الغرفة رقم 7 و التي هي عبارة عن ممر و به أربع
زنزانات اثنتان على اليسار و اثنتان على اليمين ، كان من نصيبنا الزنزانة الأولى
على اليسار ، كانت صغيرة إلى درجة انها أقل طولًا من طول الفراش ، ظني أن مساحتها
لا تتجاوز 1.5 متر × 1.5 تقريبًا ، لعلها كانت مصممة كسجن انفرادي لشخص واحد ، وإذ
بهم يضعوننا بها أنا وحارسي " دكتور شاو " ! ، وضعنا الفراش ، لا شيء في
الغرفة غير الحوائط من جميع الاتجاهات ، وباب حديد به نافذة صغيرة جدًا ، لا يزيد
مقاسها 30×30 سم . يدخل من خلالها الضوء و الهواء ، كان الأمر صعبًا جدًا ، مع عدم
السماح لنا بالاختلاط
!
وبرزت من جديد مشكلة الأكل خاصة في شهر
الصوم ، كانت الوجبة عبارة ثلاث أرغفة صغيرة مع ترمس به ثلاث أكواب شاي ، تسلم
صباحًا الى اخر النهار ، حيث نقوم بتسليم الترمس فارغًا ، فكرت في التوقف عن
الصيام ، و لكنني كنت في أمسّ الحاجة للتقرب إلى الله ، وأعرف أن العبد أقرب إلى
ربه في سجوده ، وأظن أنه يقترب منه أيضًا في صومه ، فقررت مواصلة الصيام ، الا اذا
شعرت بضعف .
وكثيرًا ما يحمل العُسر في طيّاته
اليُسر .
وما كاد يمضي يومان أو ثلاث ، حتى جيء
لنا بأكل دسم ، قال الحارس الذي أتانا
به ، انه من طرف السجينة " سهلو " ، بعد أن علمت اننا لم نغادر السجن بل
نقلنا إلى سجن الرجال . وبعد أن علم السجناء أننا غرباء ولا أحد يأتي إلينا باحتياجاتنا
، وأن السجن لا يقدم لنا شيئًا ، صاروا يتسابقون على مساعدتنا ، خاصة بعد أن علموا
أنني أصوم و كان منهم مسلمين ، و قد كان منهم وزراء سابقين و رجال أعمال و طيارون
و رجال دين ، الحمد لله أنه لا ينسى أحد
.
05
كانت أيام صعبة جدًا ، كان المكان
مليء بالحشرات كالقمل والبق ، لم يكن مسموحًا بالاستحمام إلا في الصباح الباكر ، و
كانت المياه باردة جدًا ، فلم تكن هناك سخانة مياه ، و لكننا كنا مجبرين أن نستحم
يوميًا حتى لا تهاجمنا الحشرات ، حاولنا المحافظة على نظافة المكان قدر المستطاع ،
لم يسمح لنا بمغادرة الشيلة إلا ثلاث مرات يوميًا لغرض قضاء الحاجة أو في الحالات
الطارئة ، قضينا شهر رمضان بهذه الحالة و كان الجميع يستغرب أمرنا ، حيث انه يفترض
أن نخرج من الزنزانة بعد أسبوع ، فلا يوجد أكسجين كافٍ ولا شمس ، ولا يمكنك التحرك
في مثل هذه المساحة الضيقة جدًا ، الجميع تعاطف معنا ، لم يكن أمامنا إلا تعويد
أنفسنا على هذا الوضع ، وأن نحتمل ، وأنا أعرف صعوبة احتمال هذا الوضع المزري ،
كنت استمع مرات عديدة لبعض المساجين يتحدثون بشأننا مع الحراس . الدكتور "
شاو " هو الآخر لم يعد يحتمل المزيد من المعاناة ، و كتبنا عدة رسائل دون أن
نلقى إجابة ، كنا نعاني الظلمة ، لم نرَ الشمس في النهار ولا كنا نرى السماء ، كنا
بالكاد نرى الضوء الصناعي من خلال نافذة الباب الرئيسي للغرفة رقم 7 التي لا يزيد
مقاسها عن مقاس بلاطة 30 × 30 ، هذه الفجوة في أعلى الباب كانت المعبر الوحيد
للضوء ، كنت خائفًا من تأثير ذلك على نظري وجسمي وقواي العقلية أيضًا .
وفي نهاية شهر رمضان و تحديدًا يوم
كبيرة العيد ، أخبرنا الحارس الذي أصبح متعاطفًا معنا بدرجة كبيرة ، أن مدير السجن
عادة ما يقوم بزيارة السجناء يوم العيد ، و انه سيترك لنا الأبواب مشرّعة مفتوحة ،
وعلينا أن نخبره بعد أن يدخل علينا للمعايدة بأننا لن نستطيع الاحتمال في ظل هذه
الظروف السيئة .
وبالفعل ، أتى مدير السجن ، وهو رجل
أربعيني يرتدي بدلة جميلة رصاصية اللون و ربطة عنق ، و قام بزيارة الغرف واحدة تلو
الأخرى ، و كنا نقف خلف باب الغرفة خارج الزنزانة و نراقبه ، كان يدخل الغرف و بعد
المعايدة كان يستمع إلى شكاوى السجناء ، وعندما مرّ من أمام غرفتنا ألقى علينا
التحية ، لكنه لم يتوقف و أكمل طريقه ، ودون تفكير فتحت الباب وخرجت وأمسكته من
يده ، حاول الحرس منعي ، و لكنه طلب منهم أن يتركوني . و قال لي :
ـــ ما عندك ؟
فقلت له :
ـــ يا سيد الفاضل ، كل عام وأنت
بخير ، أنت تعلم جيدًا أننا لم ترتكب جُرم في حقكم حتى نعاقب عليه بهذه القسوة ،
وأنت تعلم أيضًا أن من أبسط حقوق الإنسان ، الهواء ، و العلاج ، الحركة . و الأكل
. لقد مرّ علينا أكثر من شهر في هذه الزنزانة الصغيرة ، و إننا لن نستطيع الاحتمال
أكثر . نأمل منكم إيجاد حل عاجل .
ابتسم لي ، و تحدث مع أحد مرافقيه
ثم قال لي :
ـــ سيتحسن وضعكم .
في نفس اليوم سُمح لنا بترك الغرف
مفتوحة ، و كذلك الخروج عند الساعة الرابعة إلى الممر لشرب الشاهي و القهوة و كذلك
الخروج للفناء مع باقي السجناء ، و كذلك مشاهدة التلفاز معهم .
لقد كانت نقلة كبيرة جدًا كما ترون ..
يتبع 6
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق