رباعيات عمر الخيام
الشاعر والأديب والفيلسوف عمر
الخيام
ترجمة: احمد رامي
---------------------
غياث الدين أبو الفتوح عمر بن
إبراهيم الخيام المعروف بعمر الخيام (1048 - 1131) (الخيّام هو لقب والده، حيث كان
يعمل في صنع الخيام)عالم وفيلسوف وشاعر فارسي مسلم، ويذهب البعض إلى أنه من أصول
عربية، وُلِدَ في مدينة نيسابور، خراسان، إيران ما بين 1038 و1048 م، وتوفي فيها
ما بين 1123 و1124 م، تخصَّص في الرياضيات، والفلك، واللغة، والفقه، والتاريخ.وهو
أوّل من اخترع طريقة حساب المثلثات ومعادلات جبرية من الدرجة الثالثة بواسطة قطع
المخروط وهو صاحب الرباعيات المشهورة.
كان يدرس مع صديقين حميمين، وتعاهد
ثلاثتهم على أن يساعد من يؤاتيه الحظ الآخرَينِ، وهذا ما كان، فلما أصبح صديقه
نظام الملك وزيراً للسلطان ألب أرسلان ثم لحفيده ملكشاه، خُصِّصَ له مائتين وألف
مثقال يتقاضاها من بيت المال كل عام، من خزينة نيسابور فضمن له العيش في رفاهية
مما ساعده على التفرغ للبحث والدراسة. وقد عاش معظم حياته في نيسابور وسمرقند.
وكان يتنقل بين مراكز العلم الكبرى مثل بخارى وبلخ وأصفهان رغبة منه في التزود من
العلم وتبادل الأفكار مع العلماء. وهكذا صار لعمر بن الخيام الوقت الكافي للتفكير
بأمور وأسرار الحياة، بعد أن توفّرت له أسباب المعيشة، وكان صديقهم الثالث هو
الشاعر حسن الصباح مؤسس طائفة الحشاشين، وهي طائفة إسماعيلية نزارية.
رغم شهرة الخيام بكونه شاعرا فقد
كان من علماء الرياضيات، واشتهر بالجبر واشتغل في تحديد التقويم السنوي للسلطان
ملكشاه، والذي صار التقويم الفارسي المتبع إلى اليوم. وهو أوّل من اخترع طريقة
حساب المثلثات ومعادلات جبرية من الدرجة الثالثة بواسطة قطع المخروط، وهو أول من
أستخدم الكلمة العربية "شيء" التي رسمت في الكتب العلمية البرتغالية (Xay) وما لبثت أن
استبدلت بالتدريج بالحرف الأول منها "x" الذي أصبح رمزاً عالمياً للعدد المجهول، وقد وضع الخيام تقويما
سنوياً بالغ الدقة، وقد تولى الرصد في مرصد أصفهان.
@@@@
إسهاماته العلمية:
ترجع شهرته إلى عمله في الرياضيات حيث حلَّ معادلات الدرجة الثانية بطرق هندسية وجبرية. كما نظم المعادلات وحاول حلها كلها، ووصل إلى حلول هندسية جزئية لمعظمها. وقد بحث في نظرية ذات الحدين عندما يكون الأس صحيحاً موجباً، ووضع طرقاً لإيجاد الكثافة النوعية. كما برع في الفلك أيضاً، وقد طلب منه السلطان ملكشاه سنة 467 هـ/1074 م مساعدته في تعديل التقويم الفارسي القديم. ويقول سارطون إن تقويم الخيام كان أدق من التقويم الجريجوري.
@@@@
مؤلفاته باللغة العربية:
شرح ما أشكل من مصادرات كتاب أقليدس.
الاحتيال لمعرفة مقداري الذهب والفضة في جسم مركب منهما، وفيه
طريقة قياس الكثافة النوعية.
رسالة في الموسيقى.
رباعيات الخيام (بالفارسية: رباعیات خیام) هي مقطوعة شعرية
بالفارسية، مكونة من أربعة أبيات، يكون الشطر الثالث فيها مطلقا بينما الثلاثة
الأخرى مقيدة.
كان في أوقات فراغه يتغنى برباعياته، وقد نشرها عنه من سمعها من
أصدقائه، وبعد عدة ترجمات وصلت لنا كما نعرفها الآن. ويرى البعض أنها لاتنادي إلى
التمتع بالحياة والدعوة إلى الرضا أكثر من الدعوة إلى التهكم واليأس، وهذه وجهة
نظر بعض من الناس، وقد يكون السبب في ذلك كثرة الترجمات التي تعرضت لها الرباعيات،
بالإضافة إلى الإضافات، بعد أن ضاع أغلبها.
من جهة أخرى هناك اختلاف على كون الرباعيات تخص عمر الخيام فعلا،
فهي قد تدعو بجملتها إلى اللهو واغتنام فرص الحياة الفانية، إلا أن المتتبع لحياة
الخيام يرى أنه عالم جليل وذو أخلاق سامية، لذلك يعتبر بعض المؤرخين أن الرباعيات
نسبت خطأ للخيام وقد أثبت ذلك المستشرق الروسي زوكوفسكي، فَرَّدَ 82 رباعية إلى
أصحابها ولم يبقى إلا القليل الذي لم يعرف له صاحب.
@@@@
اتهامه بالإلحاد
فسر البعض رباعياته على أنها إلحاد، كونها تدعو إلى اللهو والمجون،
حسب منظورهم، بينما يرى الفريق الأكبر أنه مات مسلماً، مستمداً إستنتاجه من سيرة
الخيام ومؤلفاته ومن رافقه من العلماء.
يقول عمر الخيام:
********************
سمعتُ صوتاً هاتفاً في السّحَر** نادى مِن الحانِ : غُفاة البشَر
هبُّوا املأوا كأس الطلى قبَل أن** تَفعم كأس العمرْ كفّ القدَر
---
أحسُّ في نفسي دبيب الفناء** ولم أصَب في العيشِ إلاّ الشقاء
يا حسرتا إن حانَ حيني ولم** يُتحْ لفكري حلّ لُغز القضاء
---
أفق وهات الكأس أنعمُ بها** واكشف خفايا النفس مِن حُجبها
وروّ أوصالي بها قَبلَما** يُصاغ دنّ الخمَر مِن تُربها
---
تروحُ أيامي ولا تغتدي** كما تهبُّ الريح في الفدفدِ
وما طويتَ النفس هماً عَلى** يومين : أمسْ المنقضى والغدِ
---
غدٌ بِظَهْرِ الغيب واليوم لي** وكم يخيبُ الظنُّ في المقبلِ
ولَستُ بالغافلِ حتى أرى** جمالَ دنيايَ ولا أجتلي
---
سمعتُ في حلمي صوتاً أهابَ** ما فتَّق النّوم كمام الشبابَ
أفق فإنَّ النّوم صنو الردى** واشرب فمثواكَ فراش الترابَ
---
قَد مزَّق البدرُ سنَار الظلام** فأغنم صفَا الوقت وهات المدام
واطرب فإنَّ البدر مِن بعدنا** يسري علينا في طباقِ الرغام
---
سأنتحي الموتَ حثيث الورود** ويَنمحي اسمي مِن سجِل الوجود
هات أسقنيها يا مُنى خاطري** فغايةُ الأيام طولْ الهجود
---
هات أسقنيها أيهذا النديم**خضَب مِن الوجهِ اصِفرار الهموم
وإن أمُتْ فاجعَل غسولي الطلى** وقدَّ نعشيَ مِن فروعِ الكروم
---
إن تُقتلَع مِن أصلِها سُرحتي** وتصبحُ الأغصان قَد جفَّت
فصغْ وعاء الخمَر مِن طينتي** واملأهُ تسرِ الروح في جثتي
---
لَبستُ ثوبَ العيش لم أُستشَر** وحرتُ فيه بين شتّى الفِكَر
وسوفَ أنضو الثوب عنّي ولم** أُدرك لماذا جئتُ ، أينَ المقر
---
نمضي وتبقى العيشةُ الراضية** وتنمحي آثارُنا الماضية
فقَبل أن نَحيا ومِن بعدِنا** وهذه الدُنيا علَى ما هيه
---
طَوت يدُ الأقدار سفرَ الشباب** وصوَّحت تلكَ الغصون الرطاب
وقَد شدا طيرُ الصبى واختفى** متى أتى . يا لهفا . أينَ غاب
---
الدهرُ لا يعطي الَّذي نأمل** وفي سبيلِ اليأس ما نَعمَل
ونحنُ في الدُنيا علَى همّها** يسُوقنا حادي الردى المُعجّل
---
أفق خفيفَ الظَّل هذا السّحَر** وهاتها صرفاً ونَاغِ الوتر
فما أطاَل النّوم عمراً ولا** قصَّر في الأعمارِ طول السهَر
---
اشرب فمثواكََ التراب المهيلِ** بلا حبيب مؤنسٍ أو خليل
وانشق عبير العيش في فجرهِ** فليسَ يزهو الورد بعدَ الذبولِ
---
كم آلم الدهر فؤاداً طعين** وأسلم الروح ظعين حزين
وليسَ ممَن فاتَنا عائدٌ** أسألهُ عن حالةِ الراحلين
---
يا دهرُ أكثرت البلى والخراب** وَسُمْتَ كُلّ الناس سوء العذاب
ويا ثرى كم فيكَ مِن جوهرٍ** يبينْ لو يُنبَش هذا التراب
---
وكم توالى الليل بعدَ النهار** وطالَ بالأنجمِ هذا المدار
فامشِ الهوينا إنَّ هذا الثرى** مِن أعينٌ ساحرةِ الأحورار
---
أينَ النديم السمح أينَ الصبوح** فقد أمضَّ الهمّ قلبي الجريح
ثلاثةٌ هنّ أحبُّ المُنى** كأسٌ وأنغامٌ ووجهٌ صبيح
---
نفُوسنا ترضى احتِكام الشراب** أرواحنا تفدى الثنايا العِذاب
وروح هذا الدنَّ نستّلهُ** ونستقيهِ سائِغاً مُستطَاب
---
يا نفسَ ماهذا الأسى والكدر** قَد وقعَ الإثم وضاع الحذر
هَل ذاقَ حلو العفوَ إلاّ الَّذي** أذنبَ والله عفَا واغتفر
---
نلبسُ بينَ الناس ثوب الرياء** ونحنُ في قبضةِ كفّ القضاء
وكم سعينا نرتجي مهرباً** فكانَ مسعَانَا جميعاً هباء
---
لم تَفتَحَ الأنفسَ باب الغيوب** حتى تَرى كيفَ تسأم القلوب
ما أتعس القلبَ الَّذي لم يَكد** يلتأم حتى أنكأتهُ الخطوب
---
عامل كاهليك الغريب الوفي** واقطع مِن الأهلِ الَّذي لا يفي
وعِف زلالاً ليسَ فيه الشفا** واشرب زعافَ السمّ لو تشتفي
---
أحسن إلى الأعداء والأصدقاء** فإنَّما أُنس القلوب الصفَاء
واغفر لأصحابكَ زلاّتهم** وسامح الأعداء تَمْحُ العِداء
---
عاشر مِن الناسِ كبار العقول** وجانب الجهّال أهل الفضول
واشرب نقيعَ السمّ مِن عاقلٍ** واسكب علَى الأرضِ دواء الجهول
---
يا تارك الخمرَ لماذا تلوم** دعني إلى ربي الغفور الرحيم
ولا تُفاخرني بهجرِ الطلى** فأنتَ جانِ في سوِاها أثيم
---
أطفىء لظَى القلب ببرد الشراب** فإنَّما الأيام مثلَ السحَاب
وعيشُنا طيف خيالٍ ، فَنل** حظّكَ منهُ قبلَ فوَت الشباب
---
بستانُ أيامك نامي الشجَر** فكيفَ لا تقطفُ غضّ الثمَر
اشرب فهذا اليوم إن أدبرت** به اللَّيالي لم يعدهُ القدر
---
جادت بساط الروض كفُّ السحَاب** فنزّه الطرفَ وهات الشراب
فهذه الخضرةَ مِن بِعدنا** تنمو علَى أجسادِنا في التراب
---
وإن توافِ العشب عندَ الغدير** وقَد كسَا الأرض بساطاً نضير
فامشِ الهوينا فوقهُ إنه** غذّتهُ أوصالُ حبيبٌ طرير
---
يا نَفس قَد آدكِ حملُ الحزن** يا روح مقدور فُراق البدن
إقطف أزاهير المُنى قبلَ أن** يجفَّ مِن عيشك غضّ الفنن
---
يحلو ارتشاف الخمَر عندَ الربيع** ونشرُ أزهار الروابي يضوع
وتعذّب الشكوى إلى فاتنٍ** علَى شفا الوادي الخصيب الينيع
---
فلا تَتب عن حسوِ هذا الشراب** فإنَّما تَندمُ بعدَ المتَاب
وكيفَ تصحو وطيور الربى** صدّاحةٌ والروض غضّ الجناب
---
زخارفُ الدُنيا أساس الألم** وطالبُ الدُنيا نديم الندم
فكن خليَّ البال مِن أمرها** فكلُّ ما فيها شقاءٌ وهم
---
وأسعدْ الخلقْ قليل الفضول** مَن يهجر الناس ويرضى القليل
كأنهُ عنقاءَ عندَ السّهى** لا بومةٌ تنعبُ بينَ الطلول
---
مَن يحسبَ المال أحبَّ المُنى** ويزرع الأرضَ يريد الغِنى
يفارق الدُنيا ولم يُختَبر** في كدَّهِ أحوال هذى الدُنى
---
سرى بجسمي الغضَّ ماء الفناء** وسار في روحي لهيب الشقاء
وهمتُ مثلَ الريحَ حتى ذرَت** تُرابَ جسمي عاصفات القضاء
---
يامَن يَحارُ الفَهمُ في قدرتك** وتطلبُ النَفسُ حمى طاعتك
أسكرَني الإثمُ ولكنّني** صحوَت بالآمال في رحمتك
---
لم أشرب الخمَر ابتغاء الطرَب** ولا دعتني قلّةٌ في الأدب
لكنَّ إحساسي نزّاعاً إلى** إطلاق نفسي كانَ كلّ السبب
---
أفنيتُ عمري في اكتناهِ القضاء** وكشفُ ما يحجبهُ في الخفاء
فلم أجد أسرارهُ وانقضى** عمري وأحسستُ دبيب الفناء
---
أطاَل أهل الأنَفس الباصره** تفكيرهم في ذاتِك القادره
ولم تزلْ يا ربْ أفهامهم** حيرى كهذى الأنجمُ الحائره
---
لم يجنِ شيئاً مِن حياتي الوجود** ولن يضير الكون أنَّي أُبيد
وا حيرتي ما قالَ لي قائلٌ** ماذا اشتعالُ الروح ! كيفَ الخمود
---
إذا انطوى عيشي وحانَ الأجل** وسدَّ في وجهي باب الأمل
قَرَّ حبَاب العمر في كأسهِ** فَصَّبها للموتِ ساقي الأزل
---
إن لم أكنْ أخلصتُ في طاعتك** فإنّني أطمعُ في رحمتك
وإنَّما يشفعُ لي أنّني** قَد عشتُ لا أُشرك في وحدتك
---
يا ربْ هيىء سببَ الرزق لي** ولا تذقني منّةَ المُفضلِ
وابقني نشوانَ كيما أرى** روحي نَجتْ مِن دائِها المعضلِ
---
أفنيت عمري في ارتقابِ المُنى** ولم أذق في العيشِ طعم الهنا
وإنَّني أُشفقَ أن يَنقَضي** عمري وما فارقت هذا العَنا
---
لم يبرحَ الداء فؤادِي العليل** ولم أنل قصدي وحانَ الرحيل
وفات عمري وأنا جاهلٌ** كتابَ هذا الدهر جمّ الفصول
---
صفَا لكَ اليوم ورقَّ النسيم** وجالَ في الأزهارِ دمع الغيوم
ورجّعَ البلبل ألحانهُ** يقول هيّا اطرب وخلّ الهموم
---
الدرع لا تمنعُ سهم الأجل** والمال لا يدفعهُ إن نزل
وكلُّ ما في عيشنا زائلٌ** لا شىءَ يبقى غيرَ طيب العمل
---
اللهُ يدري كلُّ ما تُضمر** يعلمُ ما تُخفي وما تُظهر
وإن خدعتَ الناس لم تستطع** خدِاع مَن يطوي ومَن يَنشر
---
وإنَّما بالموت كلٌ رهين** فاطرب فما أنتَ مِن الخالدين
واشرب ولا تَحمل أسىً فادحاً** وخلّ حمل الهم للاحقين
---
رأيت خزّافاً رحاهُ تَدور** يجدُّ في صوغِ دنانِ الخمور
كأنهُ يخلطُ في طينها** جمجمة الشاهِ بساق الفقير
---
تمتلكُ الناس الهوى والغرور** وفتنةُ الغيدِ وسُكنى القصور
ولو تُزال الحجبُ بانت لهم** زخارف الدُنيا وعُقبى الأمور
---
إن الَّذي تأنس فيه الوفاء** لا يحفظ الودَّ وعهدَ الأخاء
فعاشر الناس علَى ريبةٍ** منهم ولا تُكثر مِن الأصدقاء
---
زاد الندى في الزهرِ حتى غدا** مُنحنياً مِن حملِ قطر الندى
والكُم قَد جمعَ أوراقهُ** فظلَّ في زهرِ الربى سيّدا
---
وأسعد الخلق الَّذي يُرزق** وبابهُ دونَ الورى مُغلق
لا سيَّد فيهم ولا خادم** لهم ولكن وادعٌ مُطلق
---
قلبي في صدري أسيرٌ سجين** تُخجلهُ عشرةُ ماءٍ وطين
وكم جرى عزمي بتحطيمه** فكانَ يَنهاني نداءُ اليقين
---
مصباحُ قلبي يستمدُ الضياء** مِن طلعةِ الغيدِ ذوات البهاء
لكنّني مثلَ الفراش الَّذي** يسعى إلى النّورِ وفيهِ الفناء
---
طبعي ائتناسي بالوجوه الحِسان** وديدني شرِبَ عِتاق الدِنان
فاجمع شتات الحظَّ وانعم بها** مِن قبلِ أن تطويكَ كفّ الزمان
---
تَعاقبُ الأيام يُدني الأجل** ومرّها يطويكَ طيّ السجِل
وسوف تَفنى وهي في كرّهِا** فقَضّ ما تغنمهُ في جذل
---
لا تَشغل البَال بماضي الزمان** ولا بَآتي العيش قبلَ الأوان
واغنم مِن الحاضرِ لذّاتهِ** فليسَ في طبعِ اللَّيالي الأمان
---
قيلَ لدى الحشر يكون الحساب** فيغضب الله الشديدَ العقاب
وما انطوى الرحمن إلاّ علَى** إنالةِ الخير ومنح الثواب
---
كانَ الَّذي صوّرني يعلمُ** في الغيبِ ما أجني وما آثمُ
فكيفَ يجزيني علَى أنّني** أجرمتُ والجرمُ قضاً مبرمُ
---
هات اسقني كأس الطلى السلسلِ** وغنّني لحناً مع البلبلِ
فإنَّما الإبريق في صبهِ** يَحكي خرير الماء في الجدولِ
---
الخمَرُ في الكأسِ خيالٌ ظريف** وهي بجوفِ الدنّ روحٌ لطيف
أبعد ثقيل الظَّل عن مجلسي** فإنَّما للخمَر ظلٌ خفيف
---
بابُ نديمي ذو الثنايا الوضاح** وبيننا زهرٌ أنيقٌ وراح
وافتضَّ مِن لؤلؤِ أصدافها**فافترَّ في الآفاقِ ثغرُ الصباح
---
نارُ الهوى تمنعُ طيب المنام**وراحةُ النفس ولذُّ الطعام
وفاتر الحبُّ ضعيف اللّظى**منطفىء الشعلةَ خابي الضرام
---
القلبُ قَد أضناهُ عِشق الجمال**والصدرُ قَد ضاقَ بما لا يُقال
يا ربْ هل يُرضيك هذا الظما**والماءُ ينساب أمامي زُلال
---
خلقتني يا ربْ ماءً وطين**وصغتني ما شئتَ عزاً وهون
فما احتيالي والَّذي قَد جرى**كتبتهُ يا ربْ فوقَ الجبين
---
ويا فؤادي تلكَ دُنيا الخيال**فلا تنؤ تحتَ الهموم الثقال
وسلّم الأمر فمَحوَ الَّذي**خطّت يدُ المقدار أمرٌ مُحال
---
وإنَّما نحنُ رخاخ القضاء**ينقلنا في اللوحِ أنّى يشاء
وكلُّ مَن يفرغ مِن دورهِ**يلقَى به في مستقّرِ الفناء
---
رأيتُ صفّاً مِن دنانٍ سرى**ما بينها همسُ حديثٍ جرى
كأنّها تسألُ : أينَ الَّذي**قَد صاغَنا أوباعَنا أو شرى
---
سطا البلى فاغتالَ أهلَ القبور**حتى غدوا فيها رُفاتاً نَثير
أينَ الطلى تتركني غائباً**أجهلُ أمر العيشَ حتى النشور
---
إذا سقاني الموت كأس الحمام**وضمَّكم بعدي مجال المدام
فأفردوا لي موضعي واشربوا**في ذكرِ مَن أضحى رهين الرجام
---
عن وجنة الأزهار شفَّ النقاب**وفي فؤادي راحةٌ للشراب
فلا تَنمْ فالشمس لما يزل**ضياؤها فوقَ الربى والهضاب
---
فكم علَى ظهرِ الثرى مِن نيام**وكم مِن الثاوينِ تحت الرغام
وأينما أرمي بعيني أرى**مشيّعاً أو لهزةً للحمام
---
يا ربْ في فهمك حَار البشرْ**وقصَّر العاجز والمقتدرْ
تَبعثُ نجواكَ وتبدو لهم**وهم بلا سمعٍ يعي أو بصَرْ
---
بيني وبينَ النفس حربٌ سجَال**وأنتَ يا ربي شديدَ المحُال
أنتظر العفو ولكنّني**خَجلان مِن علمك سوء الفعال
---
شقَّت يدُ الفجر سِتار الظلام**فانهض وناولني صبوح المدام
فكم تُحيّينا لهُ طلعةٌ**ونحنُ لا نملكُ ردَّ السلام
---
مُعاقروا الكأس وهم سادرون**وقائموا اللَّيل وهم ساجدون
غرقى حيارى في بحارِ الُنّهى**والله صاحٍ والورى غافلون
---
كُنّا فَصرنا قطرةٌ في عباب**عشنا وعُدنا ذرّةٌ في التراب
جئنا إلى الأرضِ ورحنا كما**دبَّ عليها النمل حيناً وغاب
---
لا أفضح السرّ لعالٍ ودون**ولا أطيل القول حتى يبَين
حالي لا أقوى علَى شرحها**وفي حنايا الصدر سرّي دفين
---
أولى بهذى الأعين الهاجده**أن تغتدي في أُنسها ساهده
تَنَّفَس الصبحُ فقم قبلَ أن**تحرمهُ أنَفَاسنا الهامده
---
هل في مجالِ السكون شىءٌ بديع**أحلى مِن الكأسِ وزهرُ الربيع
عجبتُ للخمّار هل يشترى**بمالهِ أحسنَ مما يبيع !
---
هوى فؤادي في الطلى والحباب**وشجو أذني في سماعِ الرباب
إن يَصغْ الخزّاف مِن طينتي**كوباً فأترعُها ببرد الشراب
---
يا مدَّعي الزهدَ أنا أكرمُ**مِنكَ ، وعقلي ثملاً أحكمُ
تَستنزفُ الخلقَ وما أستقي**إلاّ دمُ الكرم فمَن آثمُ
---
الخمَرُ كالورد وكأس الشراب**شفّت فكانت مثل وردٍ مُذاب
كأنَّما البدر نَثا ضوءهِ**فكان حوَل الشّمس منهُ نقاب
---
لا تَحسبوا أنّي أخاف الزمان**أو أرهب الموت إذا الموت حان
الموت حقٌ . لَستُ أخشى الردى**وإنَّما أخشى فوات الأوان
---
لا طيبَ في الدُنيا بغيرِ الشراب**ولا شجيَّ فيها بغيرِ الرباب
فكّرت في أحوالهِا لم أجد**أمتعُ فيها مِن لقاءِ الصحاب
---
عش راضياً واهجر دواعي الألم**واعدل مع الظَالم مهما ظلَم
نهايةُ الدُنيا فناءٌ فَعش**فيها طليقاً واعتبرها عدم
---
لا تأمل الخلَّ المقيم الوفاء**فإنَّما أنتَ بدنيا الرياء
تحمَّل الداء ولا تلتمس**لهُ دواءً وانفرد بالشقاء
---
اليوم قَد طابَ زمان الشباب**وطابت النفس ولذَّ الشراب
فلا تَقُل كأس الطلى مُرّةٌ**فإنَّما فيها مِن العيشِ صاب
---
وليسَ هذا العيش خلداً مقيم**فما اهتمامي مُحدثٌ أم قديم
سنَترك الدُنيا فما بالنا**نضيّعُ منها لحظَات النعيم
---
حتَّامٌ يُغري النفس برقّ الرجاء**ويُفزع الخاطَر طيف الشقاء
هات اسقنيها لَستُ أدري إذا**صعَّدتُ أنفاسي رددتُ الهواء
---
دنياكَ ساعات سُراع الزوال**وإنَّما العُقبى خلود المآل
فهل تَبيع الخُلد يا غافلاً**وتشتري دنيا المُنى والضّلال
---
يامَن نسيتَ النار يوم الحساب**وعفَت أن تشربَ ماء المتَاب
أخافُ إن هبَّت رياح الردى**عليكَ أن يأنفَ مِنكَ التراب
---
يا قلب كم تشقى بهذا الوجود**وكلّ يوم لك همٌ جديد
وأنتِ يا روحي ماذا جنَتْ**نفسي وأُخراكِ رحيلٌ بَعيد
---
تناثرتْ أيام هذا العمرْ** تنَاثرُ الأوراق حوَل الشجرْ
فانعم مِن الدُنيا بلذّاتها** مِن قبلِ أن تسفيكَ كفّ القدر
---
لا توحشَ النفس بخوف الظّنون** واغنم مِن الحاضرِ أمَنْ اليقين
فقد تساوى في الثرى راحلٌ** غداً وماضٍ مِن ألوف السنين
---
مررتُ بالخزّاف في ضحوةٍ** يصوغُ كوب الخمَر مِن طينةٍ
أوسعَها دعّاً فقاَلت لهُ** هل أقفرَتْ نَفسُكَ مِن رحمةٍ
---
لو أنّني خُيَّرت أو كانَ لي** مفتاحُ باب القدر المقفلِ
لم أهبطَ الدُنيا ولم أرحلِ
لاخترتَ عن دنيا الأسى أنّني**
---
هبطتُ هذا العيش في الآخرين** وعشتُ فيه عيشةَ الخاملين
ولا يوافيني بما
ابتغي**فأينَ منّي عاصفات المنون
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق